مما يلاحظ أن البعض يتخبطون في أمر صعب للغاية ألا وهو التصميم الإعلاني المبدع!! يظن هؤلاء البعض أن مجرد معالجة صورة معينة عن طريق إضافة بعض المؤثرات الجاهزة عليها مع وضع بعض النصوص هنا وهناك، يمكن أن يعطينا تصميماً ناجحاً، وهم أبعد ما يكون عن موضوع الإبداع!!
عملية التصميم، ليست بالأمر السهل أبداً، لأنها عملية مزاجية من ناحية، وعملية مرتبطة بمفاهيم فلسفية وآثار نفسية صريحة من ناحية، وعملية مرتبطة بقواعد فنية من ناحية أخرى. دعنا نفهم هذا الكلام: تصور أنك تصمم منشور دعائي (لمجلة ما) عن مشروب مرطب مثل البيبسي كولا!! جرب ثم جرب ثم جرب، حتى تصاب بإحباط كبير!! يا إلهي، هل يعقل هذا؟؟ أنا عاجز تماماً عن فعل شيء. وفجأة تقدح في ذهنك فكرة مبدعة وخلاقة عن تصميم رائع، وتبدأ العمل بحماس كي تـنجز التصميم، وبعد جهد كبير تـنجح بإنجاز تصميم رائع بكل معنى الكلمة، وتسرع لتقديم التصميم، للجهة المستفيدة منه، وهنا تتعرض للصدمة، تصميمك مرفوض تماماً!!! يا الله، أبعد كل هذا الجهد؟؟؟ ثم يأتي مصمم آخر، لم يفعل شيء يذكر مقارنة بما فعلته أنت، ومع هذا ترى الجهة المستفيدة تطير فرحاً بما فعله!! فما الذي حصل؟؟
فيما يلي مجموعة من النصائح عن موضوع التصميم الإعلاني المبدع، فاسمع وافهم ما سأقوله لك الآن:
1- صاحب القرار لدى الجهة المستفيدة، لم يرق له تصميمك. إنه المزاج. واحدة من المصائب التي غالباً ما تواجه المصمم، هو تعامله مع أشخاص لا يفقهون شيئاً عن عالم الدعاية والإعلان. ولكنهم أصحاب القرار النهائي. عليك أن تعيش مع هذا أو اضرب رأسك بالحائط.
2- لا لا لا، صاحب القرار شخص مبدع وذو خبرة في مجال الدعاية والإعلان، ولكن افهم، نحن نتحدث عن مشروب البيبسي كولا، وكل الناس تعرف هذا المشروب وذاقوا طعمه، فما هذا التصميم الذي جئتـنا به؟؟ نحن نريد تصميم يذكر الناس بالعطش، وليس تصميم نقول فيه أن هناك شيء اسمه البيبسي كولا!! هل فهمت الآن؟؟ إنه الأثر النفسي للصورة. المطلوب هو حث الناس على شراء هذا المنتج، عن طريق تذكيرهم بنقيضه وهو العطش (وهذا مجرد مثال بسيط).
3- التأثير النفسي للصورة أمر غريب ويصعب إخضاعه لقواعد محددة، ولكن دعونا نتحدث ونتجاذب الحديث قليلاً عن هذا الأمر. فكر معي جيداً، ماذا يجب أن نفعل إذا كنا نريد أن نصمم دعاية عن عطر رجالي معين. ألا تعتقد أن الأشياء تبدو أوضح مع نقائضها؟؟ صورة خلفية هي عبارة عن كتلة هائلة من القمامة، وأمام هذه الكتلة رجل بملابس عادية نظيفة (دون إظهار ملامح هذا الرجل بشكل صارخ)، وتبدو في واجهة الصورة كلها سيدة باهرة الجمال مغمضة العينين، وتنظر نحو الأعلى قليلاً، وتبتسم ابتسامة خفيفة (ملامح السيدة هذه يجب أن تكون واضحة بشكل صارخ)، وفي أسفل الإعلان ذكر لاسم العطر، بدون إظهار صورة قارورة العطر. فكر أنك ترى مثل هذا التصميم في مجلة أو كإعلان كبير في أحد الطرق: إن كان هذا التركيب الغريب يجعلك تضحك من قلبك، فقد نجح التصميم، وكان الأمر مبدعاً. مجرد حث الناظر على الضحك (ومن ثم التفكير قسراً، يعني غصباً عنه) يجعل من التصميم ناجحاً. دعني أذكر لكم تجربة شخصية مررت بها، كان المطلوب حملة إعلانية عن عصير فاكهة منعش. على شكل نشرات في الطرقات ضمن لوحات إعلانية (تسمى هذه اللوحات موبيـز). كانت فكرتي هي تقسيم الحملة إلى فترتين، في الفترة الأولى يتم نشر تصميم هو عبارة عن صورة طفل رضيع مستلق على ظهره، وهو يبكي، وهناك يد تمتد نحوه برضاعة مملوءة بالحليب، فقط، لا كلمات ولا أي شيء آخر، تمتد هذه الفترة نحو عشرة أيام، في الفترة الثانية، يتم نشر تصميم آخر، لنفس الطفل مستلق على ظهره، ولكنه هذه المرة يبتسم بسعادة، وهناك يد تمتد نحوه بعلبة العصير، والطفل ينظر ناحية العلبة ويده تمتد لمحاولة التقاطها، فقط، لا كلمات ولا أي شيء آخر. الآن سأترك تقدير نجاح هذا التأثير على الناظر لكم أنتم. ويطول ويطول ذكر الأمثلة.
4- أقول لكم، أن هناك شئ اسمه الحث البصري، وشئ اسمه الحث الذهني. وشئ اسمه الفراغ، وشئ اسمه المبالغة، وهذه عناصر مهمة للغاية في توليد التأثير النفسي الفعال للتصميم الإعلاني الناجح.
5- من أوجه الحث البصري استخدام التباين اللوني الصارخ (أبيض مع أسود، أزرق قاني مع أصفر صارخ، أبيض مع أحمر قاني، ...الخ) هذا الأمر تشتد أهميته مع التصميم الذي يتكون فقط من نص. ومن أوجه الحث البصري أيضاً، هو استخدام اللون مع الصورة غير الملونة. مثلاً: دعاية عن عدسات لاصقة ملونة، أقول وبكل بساطة: صورة غير ملونة لشخص (رجل أو امرأة لا يهم)، ولكن العينين ملونتين (يفضل أزرق أو أخضر)، هو التصميم الناجح في هذه الحالة.
6- من أوجه الحث الذهني هو المثال الذي ذكرناه سابقاً عن تصميم دعاية لعطر رجالي، أي استخدام عنصر النقيض. ومن أوجه الحث الذهني، هو استخدام عبارات تجبر الناظر على التفكير، مثلاً كان هناك تصميم لحملة تثقيفية عن أهمية الاقتصاد في استهلاك الماء الصافي، الخطأ الجسيم في ذلك الإعلان هو وضع صورة تتضمن قطرة ماء!! صورة الماء أو قطرة الماء لا تنفع في هذه الحالة، والتصميم يعتبر فاشلاً لأنه لا يحث الناظر على التفكير في هذا الأمر الخطير. إن عبارة من مثل ((كم بقي من الوقت حتى ينفذ الماء الصافي في بلدنا؟؟)) مكتوبة بالأحمر على خلفية بيضاء وفوق هذه العبارة صورة جمجمة مع عظمتين. أو صورة مجموعة من الأشجار الميتة على أرض شديدة الجفاف، مع عبارة من مثل ((النهاية بعد أن ينفذ الماء الصافي))، هي تصاميم لها أثر شديد يجبر الناظر على التفكير بهذا الأمر. مثال آخر: حملة تثقيفية تحث الناس على تجنب السرعة المفرطة في قيادة السيارات. أن تصميم يتضمن صورة سيارة محطمة تماماً نتيجة حادث مروري مروع، لن تحث الناظر على التفكير أبداً بمخاطر السرعة المفرطة في قيادة سيارته. ولكن تصميم يتضمن صورة سيارة رائعة وقوية جداً منطلقة بسرعة جنونية، مع عبارة أسفلها من مثل ((ترى ماذا سيحصل لو انفجر الإطار الأمامي لهذه السيارة؟؟)) تجعل السائق الذي يقود سيارته وينظر لهذا الإعلان يفكر بالأمر قسراً (يعني غصباً عنه).
7- أما الفراغ فهو أمر مهم للغاية في جذب انتباه الناظر وتحقيق عنصر الأناقة في التصميم. ولكي لا يطول الحديث جرب أن تنظر لكثير من التصاميم في كثير من الإعلانات في المجلات الأجنبية، وستدرك أهمية وجود الفراغ في التصميم. لاحظت في المنتدى، أن الكثيرين يهتمون بشدة بمسألة تراكب الصور فوق بعضها، مع أن هذا الأمر منفر للغاية وضد عنصر الأناقة في التصميم.
8- المبالغة أيضاً تلعب دوراً مهماً في توليد الأثر النفسي. وهي قد تكون نتيجة وجود صورة معينة أو عبارة ما في التصميم. فتصميم عن منتج وقود سيارات يستخدم عبارة من مثل (إنه أكثر بكثير من مجرد وقود)، قد يجعل الناظر يغضب، فماذا يكون إذن؟؟ عصير فواكه يعني؟؟ لاحظ هنا مرة أخرى الناظر يتفاعل مع الإعلان، ولهذا كان التصميم ناجحاً. إنها المبالغة.
9- أحد أهم عناصر التصميم المبدع هو التعامل مع النصوص بشكل صحيح، هناك شيء اسمه الخطوط المقروءة، الخطوط المقروءة هي الخطوط التي يسهل على عين الناظر قراءتها، بمجرد أن تخطف أمام عينيه، دون الحاجة للتركيز على أشكال الحروف. ولهذا أقول إن استخدام خطوط غير قياسية أو ذات تراكيب فنية ومنحنيات معقدة، يعتبر خطأً كبيراً في التصميم الإعلاني المبدع، هذا من ناحية، من ناحية ثانية، نلاحظ أن البعض يلجأ لاستخدام أكثر من نوعي خط في تصميم واحد، وهذا خطأ آخر. جرب أن تدرس تصاميم الإعلانات في المجالات الأجنبية بعناية، ستلاحظ أن كل الإعلان يتكون من نوع خط واحد أو اثنين على أكثر تقدير، والفرق هو في حجم الخط ليس إلا. هناك تصاميم تستخدم خمس أو ست أنواع من الخطوط، أنا لا أسمي هذه تصاميم بل أسميها مأساة.
10- مشكلة الخط العربي: يحس البعض أن الخط العربي هو خط غير إعلاني، والتصاميم التي تتضمن نص إنكليزي تكون أكثر أناقة من التصاميم ذات النصوص العربية، وهذا تصور خاطيء تماماً، لا علاقة للغة بالأناقة، والخط العربي أكثر الخطوط أناقة على الإطلاق. المشكلة تكمن في أن المصميم يستخدمون خطوط عربية غير مقروءة (مثلاً خط فرح)، ويصرون على أن يستخدموا أكثر من نوعي خط في التصميم الواحد، كما أنهم لا يقيمون وزناً لأهمية الفراغ في التصميم. وكنصيحة لأعضاء المنتدى أقول جربوا أن تستخدموا الخطوط القياسية ذات المتن الرفيع في النصوص الطويلة، والخطوط القياسية ذات المتن العريض في العناوين، دون مؤثرات مثل الظل أو التجسيم.
11- يجب عليك كمصمم أن تفهم حقيقة مؤكدة، وهي أن القارئ، كسول دائماً. القارئ لا يحب أن يقرأ أكثر من خمسة عشر كلمة (كأقصى حد) في إعلان ما. وهذا الأمر له أهمية كبيرة، على سبيل المثال: إعلان عن هاتف سيار جديد، العبارات الرئيسية في هذا الإعلان هي ((عالم بالألوان)) و ((سامسونغ)) وهي ماركة الهاتف، وهناك نص طويل عبارة عن نقاط تتضمن المميزات الفنية والتقنية لهذا الهاتف. التصميم الصحيح، هو أن تكون كل من عبارة ((عالم بالألوان)) و ((أريكسون)) التي هي ماركة الجهاز مكتوبتين بخط واضح وكبير. أما التفاصيل فتكتب بخط صغير وتوضع في أحد جوانب الإعلان في الجهة السفلى. كما قلت القارئ كسول، وهو لن يقرأ التفاصيل، المختص هو الذي سيهتم بقراءة هذه التفاصيل، وهذا الشخص ليس من المهم إغراؤه بعبارة من مثل ((عالم بالألوان))، لأنه مهتم بالتفاصيل التقنية أكثر من الفشخرة كون الهاتف ملون، ومعنى هذا إنه لا بأس من كتابتها بخط صغير. ولو كتبنا هذه التفاصيل بخط كبير، فإننا سنفرط بموضوع الفراغ الأمر الذي يجعل من التصميم غير أنيق بالمره.
12- في الإعلانات التي يتم وضعها في الطرق، يجب أن لا يزيد عدد الكلمات فيها عن عشر كلمات، فراكب السيارة التي تـنطلق بسرعة 120 كيلومتر في الساعة لن يكون قادراً على قراءة عشرين أو ثلاثين كلمة، ناهيك عن السائق الذي يقود السيارة وهو منتبه على الطريق وغير مستعد لقراءة عشرين أو ثلاثين كلمة. وكملاحظة مهمة يجب عدم وضع معلومات في الإعلان الطرقي يتطلب كتابتها على ورقة من قبل الناظر، مثل رقم الهاتف أو الفاكس أو البريد الإلكتروني.
13- لاحظتم أنني ذكرت في حديثي عدة مرات كلمة حمله إعلانية. في حقيقة الأمر إن عملية الترويج لمنتج معين (وخصوصاً إن كان منتجاً جديداً وغير معروف من قبل الناس)، لا تصح أن تكون عن طريق تصميم إعلاني واحد، بل عن طريق حملة تتضمن عدة تصاميم تنشر في نفس الوقت أو في أوقات مختلفة.
أرجو أن تكونوا قد استفدتم من هذه النصائح التي هي خلاصة مختصرة بشدة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
Bookmarks